مُدَوَّنة؟!


المدونةُ موقعٌ على الوب. ما يميزها هو أنها موقعٌ شخصيٌ؛ ما يُنشر عليه مرتب ترتيبا زمنيا تنازليا حسب تاريخ نشره؛ و أن لكل مُدخلة منشورة (تدوينة) مسار ثابت على الوب لا يتغير منذ لحظة نشرها يظل طالما بقيت منشورة و يستخدم للربط إليها من المواقع الأخرى؛ كما أنه غالبا ما يكون متاحا لقراء التدوينات التعليق على ما جاء فيها و مناقشة المدوِّن في ما يكتبه؛ كما أن المدوَّنات عادة ما توظف تقنية التلقيم لنشر ما يستحدث عليها من محتوى ليستهلكها الأفراد و مجمعات المدونات و أدلَّتها.

كانت المدونات في بداياتها شبيهة بالحوليات أو الخواطر أو المذكرات الشخصية التي اعتاد أشخاص كتابتها، فيضعون فيها خلاصة أفكارهم و يسجلون فيها انطباعاتهم عن أحداث تمر بهم أو ينظمون أفكارهم عن مشروعات يعملون بها، و يمكن أن يرفقوا بها قصاصات و صورا و خطابات.

الاختلاف هو أن المدونة مفهوم من عالم إنترنت السبراني و ليس العالم الورقي، لذا فهي تتيح إمكانات كبيرة لمستخدمها من حيث تعدد الوسائط (الميديا) و تنوع الاستخدامات، بالإضافة إلى كونها في الأغلب مقصود بها النشر على الملأ بدلا من كونها شخصية و خاصة، و هذا يتيح لها أن تصبح وسيلة للتواصل و الحوار مع الآخرين لكونها قناة ذات اتجاهين على غير وسائل الإعلام التقليدية، كما أنه باستخدامها كوسيلة لإيصال الأخبار و الإعلان عن المواقف أصبحت المدونات أحد أهم تجليات الصحافة الشعبية.

نظام إدارة المحتوى هو منظومة برمجية ذات وظيفة كلاسيكية: تسهيل حفظ و تنظيم و استرجاع المعلومات و البحث فيها. المعلومات التي نعنيها هنا هي المحتوى الرقمي من كتابات و صور و رسومات و تسجيلات فيديو و أصوات و كل ما يمكن رَقمَنَتُهُ و تخزينه على حاسوب، بالإضافة إلى معلومات عن تلك المادة أو المحتوى تساعد في معرفة طبيعتها و تاريخ وجودها. يمكن اعتبار نظام إدارة المحتوى بمثابة موظف الأرشيف الخصوصي.

يجعل استخدام نظم إدارة المحتوى من عملية النشر في سهولة إرسال رسالة بريدية و يعزل عن المستخدم التعقيدات التقنية التي ارتبطت تقليديا بإنشاء مواقع الوب، كما يسهل لاحقا إجراء تعديلات جذرية في المحتوى المنشور أو طريقه عرضه بتغييرات أبسط كثيرا مما لو لم يستخدم مثل هذا النظام.

يمكن القول أن أثر نظم إدارة المحتوى في الناشرين الأفراد على الوب يضاهي أثر اختراع المطبعة في النشر الورقي، بل إننا لا نكون مبالغين إن قلنا أن المتقدم من نظم إدارة المحتوى يضع في متناول الناشر الفرد ما يضاهي تقنيا إمكانات مؤسسة صحفية.

يُشغِّل مدونات كاتب نظام متقدم لإدارة المحتوى هو دروبال ، حرٌّ و مفتوح المصدر، طُوِّع خصيصا لأجل مشروع كاتب بحيث يناسب وظيفة إدارة المدونات و تكوين مجتمع رقمي من النشطاء المدونين بما يتضمنه ذلك من وظائف و آليات مختلفة، كما عُرِّب لتكون كل وظائف النشر و الإدارة فيه ذات واجهة مستخدم عربية خالصة.

هذه التقنيات ليست قصرا على المدونات، بل إن نظم إدارة المحتوى موجودة و مستخدمة على الوب من قبل ظهور المدونات، في المواقع الإعلامية و الجامعية و التجارية و المؤسسية المختلفة، إلا أن تطوير جيل جديد منها يتميز بالبساطة في الاستخدام و الصيانة و كذلك ظهور موفري خدمات مجانية للتدوين ساعد على انتشار النشر الشخصي على الوب.

ما يميز المدونات هو أنها شخصية و غير رسمية، و فردية؛ بمعنى أن ناشرها (أو مجموعة ناشريها) هو من يحدد اتجاهاتها (أو لا اتجاهاتها) و موضوعاتها و سياسة النشر فيها و المسموح و الممنوع و المقبول و  المرفوض، و لهم تغيير كل ذلك بين يوم و آخر.

استُخدمت المدونات كأداة للتعبير و النشر في شتى المجالات؛ في الأدب، من نثر و شعر، و أشكال فنية و أدبية جديدة يتيحها الوسيط الجديد، و في التعليق على مجريات السياسة و الأخبار، و الصحافة الشعبية، و الخواطر و اليوميات، و الكتابة الساخرة، و التواصل الاجتماعي، و في الحشد و التشبيك و العمل المدني.

في العالم العربي مثلما في أماكن أخرى، أتاحت المدونات للأفراد العاديين من غير الشخصيات العامة و غير المنتمين إلى مؤسسات رسمية مجالا للتعبير و للتواصل و تبادل الأفكار و تطويرها في نقاشات جماعية مفتوحة بشكل لم يكن متاحا من قبل بسبب القيود المفروضة على الاتصال الجماهيري في معظم البلدان، و بسبب الصعوبات المحيطة باستغلال و وصول الأفراد العاديين إلى وسائل الإعلام التقليدية حتى في الدول التي تمكنت مجتمعاتها من تحقيق مساحات أوسع من الحريات.

أدت طبيعة المدونات المفتوحة، و سهولة إنشائها (و إغلاقها أو هجرها) و إمكانية تملكها دون تكلفة بتاتا؛ و كذلك بسبب ذاتيتها و لا مركزية إدارتها (مقارنة بشكل آخر من أشكال النشر و التواصل على الوب هو المنتديات) إلى كون التنوع و الحرية المتاحين على المدونات هائلين، و كذلك التباين في جودة المنشور عليها و قيمته. و لذات الأسباب أيضا فإن الرقابة أو الوصاية و فرض الاتجاهات و القيود على ما ينشر عليها منعدمة، فيما عدا الرقابة الذاتية الاختيارية.